الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»
.تفسير الآية رقم (34): {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا (34)}{وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ اليتيم} نهى عن قربانه لما ذكر سابقًا من المبالغة في النهي عن التعرض له وللتوسل إلى الاستثناء بقوله تعالى: {إِلاَّ بالتى هي أَحْسَنُ} أي إلا بالخصلة والطريقة التي هي أحسن الخصال والطرائق وهي حفظه واستثماره {حتى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} غاية لجواز التصرف على الوجه الأحسن المدلول عليه بالاستثناء لا للوجه المذكور فقط، والأشد قيل جمع شد كالأضر جمع ضر والشد القوة وهو استحكام قوة الشباب والسن كما أن شد النهار ارتفاعه، قال عنترة:وقيل هو جمع شدة مثل نعمة وأنعم، وقال بعض البصريين، وهو واحد مثل الآنك: والمراد ببلوغه الأشد بلوغه إلى حيث يمكنه بسبب عقله ورشده القيام صالح ماله ثم التصرف ال اليتيم بنحو الأكل على غير الوجه المأذون فيه من الكبائر، وتردد ابن عبد السلام بتقييده بنصاب السرقة فقال في القواعد: قد نص الشرع على أن شهادة الزور وأكل مال اليتيم من الكبائر فإن وقعًا في مال خطير فهو ظاهر وإن وقعا في مال حقير كزبيبة وتمرة فيجوز أن يجعلا من الكبائر فطاما عن جنس هذه المفسدة كالقطرة من الخمر وإن لم تتحقق المفسدة ويجوز أن يضبط ذلك بنصاب السرقة اه. وقد يفرق بينهما بأن في شهادة الزور مع الجراءة على انتهاك حرمة المال المعصوم جراءة على الكذب في الشهادة بخلاف القليل من مال اليتيم فلا يستبعد التقييد به بخلافها كذا قيل.والحق إن الآيات والأخبار الواردة في وعيد أكل مال اليتيم مطلقة فتتناول القليل والكثير فلا يجوز تخصيصها إلا بدليل سمعي وحيث لا دليل كذلك فالتخصيص غير مقبول فالوجه أنه لا فرق بين أكل القليل وأكل الكثير في كونه كبيرة يستحق فاعله الوعيد الشديد، نعم الشيء التافه الذي تقتضي العادة بالمسامحة به لا يبعد كون أكله ليس من الكبائر والله تعالى أعلم، وقد توصل القضاة اليوم إلى أكل مال اليتيم في صورة حفظه عاملهم الله تعالى بعده وأذاق خائنهم في الدارين جزاء فعله {وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ} ما عاهدم الله تعالى عليه من التزام تكاليفه وما عاهدتم عليه غيركم من العباذ ويدخل في ذلك العقود.وجوز أن يكون المراد ما عاهدكم الله تعالى عليك وكلفكم به، والإيفاء بالعهد والوفاء به هو القيام قتضاه والمحافظة عليه وعدم نقضه واشتقاق ضده وهو الغدر يدل على ذل وهو الترك ولا يكاد يستعمل إلا بالباء فرقًا بين وبين الإيفاء الحسي كإيفاء الكيل والوزن {إِنَّ العهد} أظهر في مقام الإضمار إظهارًا لكمال العناية بشأنه وقيل دفعًا لتوهم عود الضمير إلى الإيفاء المفهوم من {أَوْفُواْ} {كَانَ مَّسْئُولًا} أي مسؤولًا عنه على حذف الجار وجعل الضمير بعد انقلابه مرفوعًا مستكنًا في اسم المفعول ويسمى الحذف والإيصال وهو شائع.وجوز أن يكون الكلام على حذف مضاف أي إن صاب العهد كان مسؤولًا، وقيل لا حذف أصلًا والكلام على التخييل كأنه يقال للعهد لم نكثت وهلا في بك تبكيتًا للناكث كما يقال للموؤدة {بِأَىّ ذَنبٍ قُتِلَتْ} [التكوير: 9] وقد يعتبر فيه الاستعارة المكنية والتخييلية، وزعم بعضهم أنه يجوز أن يجعل العهد متمثلًا على هيئة من يتوجه عليه السؤال كما تجسم الحسنات والسيآت لتوزن.وجوز أن يكون {مسؤلًا} عنى مطلوبًا من سألت كذا إذا طلبت، وإسناد المطلوبية إليه مجاز والمراد مطلوب عدم إضاعته، ويجوز أن يكون في الكلام مضاف محذوف ارتفع الضمير واستتر بعد حذفه، والأصل ما أشرنا إليه وقد سمعت آنفًا أن مثل ذلك شائع، وليس في ذلك تعليل الشيء بنفسه فإن المآل إلى أن يقال: أوفوا بالعهد فإن عدم إضاعته لم تزل مطلوبة من كل أحد فتطلب منكم أيضًا، ثم إن الإخلال بالوفاء بالعهد على ما تقتضيه الأحاديث الصحيحة قيل كبيرة، وقد جاء عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه عند من الكبائر نكث الصفقة أي الغدر بالمعاهد بل صرح شيخ الإسلام العلائي بأنه جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سماه كبيرة، وقال بعض المحققين: إن في إطلاق كون الإخلال المذكور كبيرة نظرًا بناء على أن العهد هو التكليفات الشرعية فإن من الإخلال ما يكون كبيرة ومنه ما يكون صغيرة وينظر في ذلك إلى حال المكلف به، ولعل من قال: إن الإخلال بالعهد كبيرة أراد بالعهد مبايعة الإمام وبالإخلال بذلك نقض بيعته والخروج عليه لغير موجب ولا تأويل ولا شبه في أن ذلك كبيرة فليتأمل. .تفسير الآية رقم (35): {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (35)}{مَسْؤُولًا وَأَوْفُوا الكيل} أتموه ولاتخسروه {إِذا كِلْتُمْ} أي وقت كيلكم للمشترين، وتقييد الأمر به لما أن التطفيف يكون هناك، وإما وقت الاكتيال على الناس فلا حاجة إلى الأمر بالتعديل قال تعالى: {إِذَا اكتالوا عَلَى الناس يَسْتَوْفُونَ} [المطففين: 2] الآية {وَزِنُواْ بالقسطاس} هو القبان على ما روى عن الضحاك ويقال له القرسطون بلغة أهل الشام كما قال الأزهري، وقال الزجاج: والميزان صغيرًا كان أو كبيرًا من موازين الدراهم وغيرها، وقال الليث: هو أقوم الموازين، وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة أنه العدل، وعن الحسن أنه الحديد وهو رمي معرب كما قال ابن دريد لفقد مادته في العربية، وقيل: إنه عربي وروى القول بتعريبه وأنه الميزان في اللغة الرومية عن ابن جبير وجماعة، وقيل: هو مركب من كلمتين القسط وهو العدل وطاس وهو كفة الميزان لكنه حذف أحد الطائين لأن التركيب محل تخفيف وهو كما ترى، وعلى القول بأنه رومي معرب وهو الصحيح لا يقدح استعماله في القرآن في عربيته المذكورة في قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْانًا عَرَبِيّا} [يوسف: 2] لأنه بعد التعريب والسماع في فصيح الكلام يصير عربيًا فلا حاجة إلى إنكار تعريبه أو ادعاء التغليب أو أن المراد عربي الأسلوب.وقد قرأه الكوفيون بكسر القاف والباقون بضمها، وقد تبدل السين الأولى صادًا كما أبدلت الصاد سينًا في الصراط. {الْمُسْتَقِيمَ} أي العدل السوي، وهو يبعد تفسير القسطاس بالعدل، ولعل الاكتفاء باستقامته عن الأمر بإيفاء الوزن كما قال شيخ ازسلام لما أن عند استقامته لا يتصور الجور غالبًا بخلاف الكيل فإنه كثير ما يقع التطفيف مع استقامة الآلة كما أن الاكتفاء بإيفاء الكيل عن الأمر بتعديله لما أن إيفاءه لا يتصور بدون تعديل المكيال وقد أمر بتقويمه أيضًا في قوله تعالى: {أَوْفُوا المكيال والميزان بالقسط} [هود: 85] {ذلك} أي إيفاء الكيل والوزن بالقسطاط المستقيم {خَيْرٌ} في الدنيا لأنه سبب لرغبة الناس في معاملة فاعله وجلب الثناء الجميل عليه {وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} أي عاقبة لما يترتب عليه من الثواب في الآخرة، والتأويل تفعيل من آل إذا رجع وأصله رجوع الشيء إلى الغاية المرادة منه علمًا كما في قوله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ الله} [آل عمران: 7] أو فعلًا كما في قوله سبحانه: {يَوْمَ يَأْتِى تَأْوِيلُهُ} [الأعراف: 53] وقول الشاعر:وقيل: المراد ذلك خير في نفسه لأنه أمانة وهي صفة كمال وأحسن عاقبة في الدنيا لأنه سبب لميل القلوب والرغبة في المعاملة والذكر الجميل بين الناس ويفضي ذلك إلى الغنى وفي الآخرة لأنه سبب للخلاص من العذاب والفوز بالثواب، وقيل: أحسن تأويلًا أي أحسن معنى وترجمة، ثم إن إيفاء الكيل والوزن واجب إجماعًا ونقص ذلك من الكبائر مطلقًا على ما يقتضيه الوعيد الشديد لفاعله الوارد في الآيات والأحاديث الصحيحة ولا فرق بين القليل والكثير، نعم قال بعضهم: إن التطفيف بالشيء التافه الذي يسامح به أكثر الناس ينبغي أن يكون صغيرة، فإن قلت ذكروا في الغصب أن غصب ما دون ربع دينار لا يكون كبيرة وقضيته أن يكون التطفيف كذلك قلت قيل ذلك مشكل فلا يقاس عليه بل حكى الإجماع على خلافه.وقال الأذرعي إنه تحديد لا مستند له انتهى، وعلى التنزيل فقد يفرق بأن الغصب ليس مما يدعو قليله إلى كثيره لأنه إنما يكون على سبيل القهر والغلبة بخلاف التطفيف فتعين التنفير عنه بأن كلًا من قليله وكثيره كبيرة أخذًا مما قالوه في شرب القطرة من الخمر من أنه كبيرة وأن لم يوجد فيها مفسدة الخمر لأن قليله يدعو إلى كثيره، ومثل التطفيف في الكيل والوزن النقص في الذرع ولا يكاد يسلم كيال أو وزان أو ذراع في هذه الأعصار من نقص الأمن عصمه الله تعالى. .تفسير الآية رقم (36): {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36)}{وَلاَ تَقْفُ} ولا تتبع، وأصل معنى قفا اتبع قفاه ثم استعمل في مطلق الاتباع وصار حقيقة فيه. وقرئ {وَلاَ} بإثبات حرف العلة مع الجازم وهو شاذ، وقرئ أيضًا {تَأْوِيلًا وَلاَ تَقْفُ} بضم القاف وسكون الفاء كتقل على أنه أجوف مجزوم بالسكون وماضيه قاف يقال قاف أثره يقوفه إذا قصده واتبعه ومنه القيافة وأصلها ما يعلم من الإقدام وأثرها، وعن أبي عبيدة أن قاف مقلوب قفا كجذب وجبذ. وتعقب بأن الصحيح خلافه.{مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} أي لا تتبع ما لا علم لك به من قول أو فعل، وحاصله يرجع إلى النهي عن الحكم بما لا يكون معلومًا ويندرج في ذلك أمور. وكل من المفسرين اقتصر على شيء فقيل المراد نهي المشركين عن القول في الإلهيات والنبوات تقليدًا للإسلاف واتباعًا للهوى، وأخرج ابن جرير. وابن المنذر. عن محمد بن الحنفية أن المراد النهي عن شهادة الزور، وقيل: المراد النهي عن القذف ورمي المحصنين والمحصنات، ومن ذلك قول الكميت:وروى البيهقي في شعب الإيمان. وأبو نعيم في الحلية من حديث معاذ بن أنس «من قفا مؤمنًا بما ليس فيه يريد شينه به حبسه الله تعالى على جسر جهنم حتى يخرج مما قال» وقيل: المراد النهي عن الكذب، أخرج ابن جرير وغيره عن قتادة أنه قال في الآية: لا تقل سمعت ولم تسمع ورأيت ولم تر، واختار الإمام العموم قال: إن اللفظ عام يتناول الكل فلا معنى للتقييد، واحتج بالآية نفاة القياس لأنه قفو للظن وحكم به. وأجيب بانهم أجمعوا على الحكم بالظن والعمل به في صور كثيرة فمن ذلك الثلاة على الميت ودفنه في مقابر المسلمين وتوريث المسلم منه بناء على أنه مسلم وهو مظنون والتوجه إلى القبلة في الصلاة وهو مبني على الاجتهاد بإمارات لا تفيد إلا الظن وأكل الذبيحة بناء على أنها دبيحة مسلم وهو مظمنون والشهادة فإنها ظنية وقيم المتلفات واروش الجنايات فإنها لا سبيل إليها الا الظن، ومن نظر ولو ؤخر العين رأى أن جميع الأعمال المعتبرة في الدنيا من الأسفار وطلب الأرباح والمعاملات إلى الآجل المخصوصة والاعتماد على صداقة الأصدقاء وعداوة الأعداء كلها مظنونة وقد قال صلى الله عليه وسلم: «نحن نحكم بالظاهر والله تعالى يتولى السرائر» فالنهي عن اتباع ما ليس بعلم قطعي مخصوص بالعقائد وبأن الظن قد يسمى علمًا كما في قوله تعالى: {إِذَا جَاءكُمُ المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أَعْلَمُ بإيمانهن فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مؤمنات فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الكفار}[الممتحنة: 10] فإن العلم بإيمانهن إنما يكون بإقرارهن وهو لا يفيد إلا الظن، وبأن الدليل القاطع لما دل على وجوب العمل بالقياس كان ذلك الدليل دليلًا على أنه متى حصل ظن أن حكم الله تعالى في هذه الصورة يساوي حكمه في محل النص فانتم مكلفون بالعلم على وفق ذلك الظن فههنا الظن واقع في طريق الحكم وأما ذلك الحكم فهو معلوم متيقن. وأجاب النفاة عن الأول بأن قوله تعالى: {لا تَقْفُ} الآية عام دخله التخصيص فيما يذكرون فيه العمل بالظن فيبقى العموم فيما وراءه على أن بين ما يذكرونه من الصور وبين محل النزاع فرقًا لأن الأحكام المتعلقة بالأول مختصة باشخاص معينين في أوقات معينة فالتنصيص على ذلك متعذر فاكتفى بالظن للضرورة بخلاف الثاني فإن الأحكام المثبتة بالأقيسة كلية معتبرة في وقائع كلية وهي مضبوطة والتنصيص عليها ممكن فلم يجز الاكتفاء فيها بالظن، وعن الثاني بأن المغايرة بين العلم والظن مما لا شبهة فيه ويدل عليها قوله تعالى: {هَلْ عِندَكُم مّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظن} [الأنعام: 148] والمؤمن هو المقر وذلك الإقرار هو العلم فليس في الآية تسمية الظن علمًا، وعن الثالث بأنه إنما يتم لو ثبت حجية القياس بدليل قاطع وليس فليس، واحسن ما يمكن أن يقال في الجواب على ما قال الإمام أن التمسك بالآية تمسك بعام مخصوص وهو لا يفيد إلا الظن فلو دلت على أن التمسك بالظن غير جائز لدلت على أن التمسك بها غير جائز فالقول بحجيتها يفضي إلى نفيه وهو باطل، وللمجيب أن يقول: نعلم بالتواتر الظاهر من دين النبي صلى الله عليه وسلم أن التمسك بآيات القرآن حجة في الشريعة، ويمكن أن يجاب عن هذا بأن كون العام المخصوص حجة غير معلوم بالتواتر فتأمل {إِنَّ السمع والبصر والفؤاد كُلُّ أولئك} أي كل هذه الأعضاء وأشير إليها باولئك على القول بأنها مختصة بالعقلاء تنزيلًا لها منزلتهم لما كانت مسؤولة عن أحوالها شاهدة على أصحابها.وقال بعضهم: إنها غالبة في العقلاء وجاءت لغيرهم من حيث أنها اسم جمع لذا وهو يعم القبيلين ومن ذلك قول جرير على ما رواه غير واحد: وعلى هذا لا حاجة إلى التنزيل وارتكاب الاستعارة فيما تقدم {كَانَ عَنْهُ مَّسْئُولًا} كل الضمائر {كُلٌّ} أي كان كل من ذلك مسؤولًا عن نفسه فيقال له: هل استعملك صاحبك فيما خلقت له أم لا؟ وذلك بعد جعله أهلا للخطاب والسؤال. وجوز أن يكون ضمير {عَنْهُ} لكل وما عداه للقافي فهناك التفات إذ الظاهر كنت عنه مسؤولًا.وقال الزمخشري: {عَنْهُ} نائب فاعل {مَسْؤُولًا} فهو مسند إليه ولا ضمير فيه نحو {غير المغضوب عليهم}.ورده أبو البقاء وغيره بأن القائم مقام الفاعل حكمه حكمه في أنه لا يجوز تقدمه على عامله كأصله. وذكر أنه حكى ابن النحاس الإجماع على عدم جواز تقديم القائم مقام الفاعل إذا كان جارًا ومجرورًا فليس ذلك نظير {غير المغضوب عليهم} [الفاتحة: 7] ورده أبو البقاء وغيره بأن القائم مقام الفاعل حكمه حكمه في أنه لا يجوز تقدمه على عامله كأصله. وذكر أنه حكى ابن النحاس الإجماع على عدم جواز تقديم القائم مقام الفاعل إذا كان جارًا ومجرورًا فليس ذلك نظير {غَيْرِ المغضوب عَلَيْهِمْ} وليس لقائل أن يقول: إنه على رأي الكوفيين في تجويزهم تقديم الفاعل إلا أن ينازع في صحة الحكاية، ونقل عن صاحب التقريب أنه إنما جاز تقديم {عَنْهُ} مع أنه فاعل لمحا لاصالة ظرفيته لا لعروض فاعليته ولأن الفاعل لا يتقدم لالتباسه بالمبتدأ والا التباس هاهنا ولأنه ليس بفاعل حقيقة اه. والانصاف أنه مع هذا لا يقال لما ذهب إليه شيخ العربية إنه غلط.وذكر في شرح نحو المفتاح أنه مرتفع ضمر يفسره الظاهر، وجوز إخلاء المفسر عن الفاعل إذا لم يكن فعلا معللا باصالة الفعل في رفع الفاعل فلا يجوز خلوه عنه بخلاف اسمي الفاعل والمفعول تشبيهًا بالجوامد.وتعقبه في الكشف بأن فيه نظرًا نقلًا وقياسا؛ أما الأول فلتفرده به، وأما الثاني فلأن الاحتياج إليه من حيث أنه إذا جرى على شيء لابد من عائد إليه ليرتبط به ويكون هو الذات القائم هو بها إن كان فاعلا أو لابسًا لتلك الذات وليس كالجوامد في ارتباطها بالسوابق بنفس الحمل لأنها لا تدل على معنى متعلق بذات فالوجه أن يقال حذف الجار واستتر الضمير بعده في الصفة، وقد سمعت عن قرب أن هذا من باب الحذف والإيصال وأنه شائع، وجوز أن يكون مرفوع {مَسْؤُولًا} المصدر وهو السؤال و{عَنْهُ} في محل النصب. وسأل ابن جنى أبا علي عن قولهم: فيك يرغب وقال لا يرتفع بما بعده فأين المرفوع؟ فقال: المصدر أي فيك يرغب الرغب عنى تفعل الرغبة كما في قولهم: يعطي، يمنع أي يفعل الإعطاء والمنع، وجوز أن يكون اسم كان أو فاعله ضمير {كُلٌّ} محذوف المضاف أي كان صاحبه عنه مسؤولًا أو كان عنه مسؤولًا صاحبه فيقال له لم استعملت السمع فيما لا يحل ولم صرفت البصر إلى كذا والفؤاد إلى كذا؟ وقرأ الجراح العقيلي {والفواد} بفتح الفاء وإبدال الهمزة واوًا، وتوجيهها أنه أبدلت الهمزة واوًا لوقوعها مع ضمة في المشهور ثم فتحت الفاء تخفيفًا وهي لغة في ذلك، ولا عبرة بإنكار أبي حاتم لها، واستدل بالآية على أن العبد يؤاخذ بفعل القلب كالتصميم على المعصية والأدواء القلبية كالحقد والحسد والعجب وغير ذلك نعم صرحوا بأن الهم بالمعصية من غير تصميم لا يؤاخذ به للخبر الصحيح في ذلك ثم إن اتباع الظن يكون كبيرة ويكون صغيرة حسب أنواعه وأصنافها ومنه ما هو أكبر الكبائر كما لا يخفى نسأل الله تعالى أن يعصمنا عن جميع ذلك.
|